يعتبر ابن القيم الجوزية من أعلام الإسلام ورجالاته في العلم والفكر والدعوة، فهو إمام مجتهد في الفقه والحديث والتفسير والعقيدة والتصوف واللغة والشعر و العديد من المجالات ، وله مؤلفات كثيرة ومتنوعة في هذه المجالات، تتميز بالعمق والإبداع والأصالة. وقد كان تلميذاً وصاحباً لشيخ الإسلام ابن تيمية، فأثره فيه واستفاد منه، ونصره في مواقفه وأفكاره، وشاركه في بعض المحن والسجون. وقد ترك ابن القيم أثراً عظيماً جدا لا يحصي في التراث الإسلامي، فأثرى المكتبة العربية بكتبه ورسائله، وألهم العديد من العلماء والدعاة بآرائه ونصائحه، وأثار جدلاً بين المؤيدين والمعارضين لبعض مواقفه وآرائه
في هذه المقالة، سنتعرف على سيرة هذا العالم المتميز، وسنستعرض بعض من مؤلفاته البارزة، وسنناقش بعض من آرائه ومواقفه في مختلف المسائل التي يتناولها بعلمه وحكمته
اهم نقاط المقالة :
نسب و نشأت ابن القيم الجوزية
ابن القيم الجوزية ، المعروف بـ “أَبُو عَبْدِ الله شَمْسُ الدَّينَ مُحَمَّدُ بْنْ أَبِي بَكرِ بْنْ أَيُّوبَ بْنِ سَعْدِ بْنِ حرَيزْ الزُّرْعِيَّ”، وُلد في مدينة دمشق عام 691 هـ، ونشأ في بيئة علمية، حيث تعلم العلوم الإسلامية من مختلف الشيوخ، وكان لشيخه “ابن تيمية” تأثير كبير عليه، حيث لازمه لمدة 17 عامًا، وأخذ منه علمًا جمًا وتسعى إلى تهذيب كتبه.
كان ابن القيم الجوزية من أعلام الفكر الإسلامي، تولى الإمامة في المدرسة الجوزية، والتدريس في المدرسة الصدرية. ترك وراءه مؤلفات عديدة في مختلف المجالات، منها العقيدة والفقه والتفسير والتزكية والنحو بالإضافة إلى القصائد الشعرية.
وكان له آراء خاصة في الفقه وأصوله ومصطلح الحديث وغير ذلك من المسائل، وسار على نهج شيخه “ابن تيمية” في العقيدة.
وقد أوذي “ابن قيم” بسبب إنكاره لشدّ الرحال لزيارة القبور، وسجن مع “ابن تيمية” في شهر شعبان سنة 726هـ، وأفرج عنه في يوم 20 ذو الحجة سنة 728هـ
توفي ابن قيم الجوزية في دمشق في 13 رجب سنة 751هـ، عن عمر ناهز 60 عامًا. دُفن بمقبرة الباب الصغير.
كان “ابن القيم الجوزية” له تأثير كبير في عصره، وأخْذ الكثيرين العلمَ على يديه، وبرز أثره إلى جانب شيخه “ابن تيمية” في أماكن متفرقة من العالم الإسلامي في وقت لاحق، كما امتد تأثيره إلى الحركة المحمدية الوهابية ومحمد رشيد رضا والعلماء في شبه القارة الهندية.
بدايات ابن القيم الجوزية
شمس الدين محمد هو “أَبُو عَبْدِ الله شَمْسُ الدَّينَ مُحَمَّدُ بْنْ أَبِي بَكرِ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ سَعْدِ بْنِ حرَيزْ بْنِ مَكيّ زِينْ الدِيّنْ”، وهو يُعرف بلقب “ابن قيم الجوزية” أو “ابن القيم”. كان والده “أبا بكر بن أيوب الزرعي” قيمًا على “المدرسة الجوزية” في دمشق، ولذلك اشتُهر شمس الدين بلقب “قيم الجوزية”. يُستخدم اسم “ابن القيم الجوزية” كلاً من الاختصار واللقب الشائع لشمس الدين، واستخدمه بعض العلماء المتأخرون مثل ابن حجر العسقلاني وجلال الدين السيوطي.
نشأ ابن القيم الجوزية في بيئة علمية ثرية، حيث كان والده وشقيقه من العلماء البارزين. تلقى ابن القيم الجوزية تعليمًا متميزًا، وأصبح عالمًا بارزًا في مجال الفقه والتفسير والحديث ، وقد كان ابن رجب أحد تلامذته، وقد تفرّد بالرواية عن شيخه “الشهاب العابر”.
ومن عائلته أيضًا ابن أخيه “عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن زين الدين عبد الرحمن” الذي اقتنى أكثر مكتبة عمه ابن القيم الجوزية ، وتوفي سنة 799هـ. ومن أبنائه الذين تُرجم لهم، ابنه “شرف الدين، وجمال الدين عبد الله” وقد كان عالماً وخطيباً، وقد درَّس في المدرسة الصدرية عقب وفاة والده، توفي شاباً في سنة 756هـ وعمره ثلاث وثلاثون سنة. كان ابنه برهان الدين إبراهيم صبيا درس في مدرسة الصدر وكان يعرف القواعد جيدا ، والتي سماها”ساري لحل ألف سنة لابن مالك. وكانت وفاته سنة 767هـ.
تتفق كتب الترجمة على أن ابن القيم الجوزية ولد عام 691/1292 م ، وقد ذكر صلاح الدين الصفدي تحديدا في كتابه ‘وصي الموت’ عيد ميلاده ، وأنه سنة 691هـ الموافق ليوم 28 يناير 1292م. وقد تابعه على ذلك «الداودي»، و«جلال الدين السيوطي»، و«ابن تغري بردي».
ابن القيم الجوزية سمع من عدة شيوخ وعلماء في سن مبكرة، حيث سمع من “الشهاب العابر أحمد بن عبد الرحمن النابلسي”، و”ابن الشيرازي”، و”المجد الحراني” وأخذ عنه الفقه وقرأ عليه “مختصر سمع إسماعيل من أبو الفداعين يوسف بن مكتوم القيسي وأيوب زين الدين بن نعمة الكهار والبهائين أساكا والحاكم سليمان تقي الدين.
بن حمزة بن قدامة المقدسي”. كما سمع الفقه عن “شرف الدين بن تيمية”، و”علاء الدين الكندي الوداع”، وسمع من “عيسى شرف الدين بن عبد الرحمن المطعِّم”، و”فاطمة أم محمد بنت الشيخ إبراهيم بن محمود بن جوهر البطائحي”.
كما قرأ العربية على “مجد الدين التونسي”، و”بدر الدين بن جماعة”، وأخذ العربية والفقه عن “محمد شمس الدين بن أبي الفتح البعلبكي”، وقرأ عليه “الملخص” لأبي البقاء، والجرجانية، و”ألفية ابن مالك”، وأكثر “الكافية الشافية” وبعض “التسهيل”، و”محمد بن شهوان”، و”شمس الدين الذهبي”، و”صفي الدين الهندي”، وأخذ الأصولين (أصول الفقه والتوحيد) عن “صفي الدين الهندي”، وقرأ عليه في أكثر “الأربعين” و”المحصل”، و”أبي المعالي محمد بن علي الزملكاني”، و”ابن مفلح” وكان يراجعه في كثير من مسائله واختياراته، و”جمال الدين المزي” وكان يعتمده وينقل عنه في كثير من كتبه، خاصة في الحديث ورجاله موصوفون بمصطلح ‘شيخنا’ وهم ‘محمد بن عثمان الخليلي’ و ‘ عز الدين عبد العزيز بن
سيرت ابن القيم الجوزيه
ذكر مطرجيم ابن القيم الجوزية بأنه ‘إمام طائفة المحفظة’ وابن كثير يقول عنه ‘هو إمام المحفظة وابن قيمه’ . كما يقتبس ابن كثير من خطاب ابن القائم في أحد مساجد دمشق عام 736 ، قائلا: “أقيم على جلد شهر رجب ، يوم الجمعة ، في مسجد أسسه خالخان من نجم الدين بن القبلة إلى بوابة كيسان ، وألقى الشيخ الإمام العلامة شمس الدين بن القائم الجوزية خطابا هناك. ذكر ابن بدران أن ابن القائم كان أول من تواصل معه . أن ابن القيم أول من خطب به.
ومع ذلك ، على الرغم من أن تاريخ تعاليم ابن القيم الجوزية لم يذكر على وجه التحديد في الترجمة ، تلميذه ابن رجب ، حياة الشيخ ابن تيمية واستفادوا كثيرا من حياة الشيخ حتى مات ، وأثنى عليه الطيبون وجعلوه ابن عبد الهادي وآخرين.
يذكر عدد من المؤرخين ومنهم تلامذته ابن كثير، وابن رجب والذهبي أن ابن القيم الجوزية درس “بالمدرسة الصدرية”، ويفيد ابن كثير عن تاريخ تدريسه بها في حوادث سنة 743هـ فيقول: «وفي يوم الخميس ، ألقى صديقنا العلامة محمد بن أبي بكر بن أيوب الزراي ، إمام الجوزية ، محاضرة في الصدرية.” . ويفيد الحافظ السخاوي أن ابن القيم انتفع به الأئمة ودرس بأماكن، ولكنه لم يفصل.
كان لابن تيمية تأثير كبير على ابن القيم ، وكان له تأثير واضح على تشكيل ثقافته وعقيدته ، وقد حددها المؤرخون مع عام 712هـ/1313م ، وهو العام الذي عاد فيه ابن تيمية إلى دمشق من مصر ، لذلك اهتموا بالوقت الذي التقيا فيه. احتاجه القيم من تلك السنة حتى وفاته عام 728هـ/1328م ، فأخذ المعرفة العظيمة عنه ووسعها.
عقائده وانتصاراته ، فأخذ عنه علماً جمّاً واتسع مذهبه ونصره، وهذب كتبه، وقد كانت مدة ملازمته له سبعة عشر عاماً تقريباً. “هو الذي صقل كتابه ، أي كتاب ابن تيمية ، ونشر علمه وأكسبه معظم الأمثال. يقول ابن كثير ، عند الحديث عن ابن القيم: “ولد في واحد وتسعين سنة ، سمع الأحاديث ، وكان يعمل في العلوم ، والعديد من العلوم ، وخاصة التفسير والحديث والأصلي من الديار المصرية في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة لازمه إلى أن مات الشيخ فأخذ عنه علماً جمّاً، مع ما سلف له من الاشتغال، فصار فريداً في بابه في فنون كثيرة…»
ذكر ابن القيم الجوزية في منظومته «الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية» والتي تسمى «بنونية ابن القيم»، ما يقوله الأشاعرة وغيرهم في الصفات والتأويلات، ثم عقد فصلًا ذكر فيه أنه هو بكير ب. يروي عبد الله أبو زيد هذه الآيات ويقول إن ابن القيم تاب على يد ابن تيمية ويقول: “ابن القيم-رحمه الله-الشعراء وغيرهم تفسير بعض ما يقولون ، طرد الوثنيين ، الإضرار بدينهم ، معارضة الكتاب ونصوص السنة ، وبعض الأشياء الأخرى مدرجة في الكتاب. ثم عقد فصلاً أعلن فيه أنه قد وَقَعَ في بعض تلك المهالك، حتى أتاح له الإله من أزال عنه تلك الأوهام، وأخذ بيده إلى طريق الحقّ والسَّلامة، وهو شيخ الإسلام هو ابن تيمية رحمه الله.
كما قال السيد حسين العفاني مثل بكر بن عبد الله أبي زيد. من ناحية أخرى ، قال آخرون مثل صالح بن أحمد الشامي أيضا إن القضية هنا هي الاجتهاد أو إطار تصحيح المسار ، ولن تعتبر خطيئة وسيتم تمريرها. فيقول معلّقاً على كلام بكر أبي زيد قائلًا: «ولم أرَ من المترجمين لابن القيم من ذكر هذا الموضوع أو أشار إليه، بحسب اطّلاعي المتواضع. التوبة-بمعناها الخاص-تأتي بعد الخطيئة وتعتبر خطيئة ، ووضع هذا كعنوان لهذا الموضوع لا يتناسب مع مكانة ابن القيم-مع تقديري الكبير للشيخ * بكر-وأن جميع الناس مهما كانوا يميلون إلى الوقوع في الخطيئة. لا يوجد ذكر للتوبة في هذا والآيات التالية.
وقد عانى ابن القيم الجوزية الكثير من المتاعب بسبب اتصاله بابن تيمية ودعمه لمذهبه ، فقد سجن ، ونكره بعض الفقيه في بعض القضايا التي ساد فيها رأي ابن تيمية. يذكر ابن حجر أن ابن تيمية اعتقل بعد أن أهانه جمل وتكفير ، ولم يفرج عنه حتى وفاة ابن تيمية . .
وأنكر ابن القيم شد الرحل لزيارة قبر النبي إبراهيم (الخليل)، فأوذي بسبب هذا وسجن يقول الذهبي: «وقد حُبِس مُدَّة وأُوذِيَ لإنْكارِه شدّ الرّحل إلى قَبْر الخَلِيل.» ويذكر بعض المؤرخين أن هذه السجنة هي نفسها التي سُجن فيها مع شيخه ابن تيمية، فقد اعتقل ابن تيمية في يوم 16 شعبان سنة 726هـ، وذلك بسبب ما أفتى به من المنع من شد يشير ابن كثير إلى الأحداث التي أعقبت سجن ابن تيمية ، في منتصف شهر شعبان ، عندما أمر الحكيم الشافعي بإلقاء مجموعة من أصدقاء القاضي في السجن لإصدار الحكم.
منهم على دواب ونودي عليهم، ثم أطلقوا، سوى ابن القيم فإنه حبس في القلعة وسكتت القضية. فكان سبب سجن ابن القيم هو نفس السبب الذي سجن من أجله ابن تيمية، فسُجن بجانبه في القلعة، ولكنه كان منفردًا عنه.
يذكر تقي الدين المقريزي بالتفصيل ملابسات الحادث ويذكر أن ابن قيم تعرض للضرب قبل سجنه :يوم الاثنين تقي الدين أحمد بن تيمية ، أي السنة السادسة من شهر شعبان-726. تم سجنه في قلعة دمشق مع شقيقه زين الدين عبد الرحمن. ضرب شمس الدين محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية في دمشق ووضعه على حمار.
والسبب في ذلك هو أن ابن قيم الجوزية تحدث إلى النبي في القدس عن الشفاعة والصلاة ، وأنكر نية الضريح النبيل فقط ، دون الإشارة إلى المسجد النبوي. قاضي جلال الدين قزفيني وقاضي دمشق الآخر. عندما وصل كتاب ابن القيم المقدس ، كتبوا إلى السلطان عن ابن تيمية وصديقه ابن قيم ، وعرف بذلك قاضي البيت المصري الحنفي شمس الدين حليلي ، فسجنه ابن تيمية ومنعه من التجديف الفاحش حتى كتب وضرب ابن القيم.” وظل ابن القيم محبوسًا، ولم يفرج عنه إلا بعد وفاة ابن تيمية.
وحكى ابن كثير هذه الحادثة، وذكر ما يفيد أن ابن القيم كان يفتي في ذلك برأي شيخه ابن تيمية، وأنه صَنَّف مصنفًا لنصرة رأي ابن تيمية، ثم صار يفتي به دون نسبته إلى ابن تيمية فاعتقدوا “
اهم كتب الامام ابن القيم
في العقيدة:
الفوائد في اختصار كتاب التوحيد
الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة
اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية
الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ( الداء و الدواء )
في الفقه:
إعلام الموقعين عن رب العالمين
زاد المعاد في هدي خير العباد
أحكام أهل الذمة
في الحديث:
روضة المحبين ونزهة المشتاقين
بدائع الفوائد
تحفة المحتاج في شرح المنهاج
في التفسير:
تفسير سورة الفاتحة
تفسير سورة البقرة
تفسير سورة آل عمران
تفسير سورة النساء
في اللغة العربية:
الفوائد في اللغة
عقود الزبرجد في فوائد كتاب عقود الجوهر
لسان الميزان
في الشمائل المحمدية:
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أخلاقه وسيرته
زاد المعاد في هدي خير العباد
في التربية:
مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة
تحفة المحتاج في شرح المنهاج
باختصار، يمكن القول إن الإمام ابن القيم الجوزية هو واحد من أهم العلماء والمفكرين في تاريخ الفكر الإسلامي. فقد اشتهر بأفكاره الفلسفية والروحانية العميقة، وعمل على ترسيخ قيم الإسلام وتعاليمه في نفوس المسلمين، وذلك من خلال كتاباته الواسعة والمتنوعة التي لا تزال مصدر إلهام وإرشاد للكثيرين حتى يومنا هذا.
ومن خلال دراسة حياته ومساهماته، يمكننا أن نستلهم العديد من الدروس والعبر، ونتعلم من نهجه الشامل في التفكير العلمي والروحي، وكيفية تطبيق تعاليم الإسلام في حياتنا اليومية.
بالتالي، فإن الإمام ابن القيم الجوزية يعد مثالاً يحتذى به في العطاء والإسهام في خدمة الإسلام والمسلمين، ويجب علينا أن نحافظ على تراثه العظيم ونحرص على دراسة أفكاره ومساهماته، لنستطيع الاستفادة منها في بناء مجتمعنا وتطويره.